نشاطات “مؤتمر فلسفة القانون” في الكويت

نشاطات “مؤتمر فلسفة القانون” في الكويت

أبريل 24, 2024 aliphid.net 0 Comments

فعاليات مؤتمر “فلسفة القانون “

على مدى ثلاثة أيام عقد في جامعة الكويت، كلية الآداب، مؤتمر في موضوع “فلسفة القانون: مكانتها وإسهاماتها في الفكر الفلسفي العالمي والعربي المعاصر”، في 22 حتى 24 نيسان 2024 برعاية القائم بأعمال عميد كلية الآداب الدكتور عبدالمحسن المدعج. تنظم المؤتمر دورية تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية، الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع قسم الفلسفة بجامعة الكويت.

المشاركون أكثر من 25 باحثا من أقطار عربية وغربية عديدة (الجزائر، المغرب، مصر، لبنان، تونس، الكويت، فرنسا، الدانمرك…). اعتزاز كبير لدي بهذا المؤتمر وانطباع بأن حالة العالم العربي بألف خير طالما هذا الكم من المفكرين الذين تشغل بالهم فلسفة القانون والمهتمين بإعادة الاعتبار للفلسفة في التدريس الجامعي. اعتزاز كبير نعم أن تسمع على مدى ثلاثة أيام تحاليل ونقاشات لا تتوقف عن كانط وهيغل وهابرماس والمعتزلة وبوبيو ودوركن وفوكو وبجارن ملكفيك.

عينة من هذه الأوراق: القانون والعدل والحرية في الفلسفة الاجتماعية (د. زواوي بغورة)؛ ما طبيعة القانون الطبيعي؟ (د. رجا بهلول)؛ القوانين الاستثنائية: القانون بوصفه سلطة وليس أداة لتحقيق العدالة (د. رشيد الحاج صالح)؛ بحث القانون والدولة واللا أمن (د. سماعين جلة)؛ أحكام القواعد والأحكام القواعدية: بين فلسفة الروح وفلسفة اللغة (د. باسكال ريشار)؛ الدستورية الغربية والدستورية الإسلامية (غوستافو غوزي)؛ الوضعية القانونية والافتراضات الأخلاقية المضمرة (د. منير الكشو)؛ في الصلح الهيغلي بين الحرية والقانون (د. بتسام براج). وورقتي: بعنوان: “فلسفة القانون ومعايير الحق والعدالة لدى فيلسوف القانون بجارن ملكفيك” Bjarne Melkevik.

أوجز هنا ورقتي:

الشكر أولا لجامعة الكويت العريقة وللمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ولدورية تبين (التابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) وكل القيمين عليها ونخص بالذكر الدكتور رجا بهلول (رئيس التحرير) والدكتور رشيد الحاج صالح (مدير الدورية). كما أشكر الدكتور زواوي بغورة، رئيس قسم الفلسفة في الكلية، للجهود الجبارة التي بذلها لإنجاح هذا المؤتمر المنظم بالاشتراك مع قسم الفلسفة في جامعة الكويت.

اخترت هذا الموضوع “فلسفة القانون ومعايير الحق والعدالة لدى فيلسوف القانون بجارن ملكفيك” لأن فيلسوف القانون بجارن وفي جميع أبحاثه يبرز هذا الهاجس، هاجس العدالة والحق والمساواة. وكوني ترجمت حتى الآن حوالي تسعة كتب لبجارن (غالبيتها بطلب من جامعة لافال الكندية) فقد ارتأيت أن أعرض في هذا البحث لهذا الحس لدى بجارن أو لهذه الهواجس. إذا أردنا الإيجاز في هذه المداخلة السريعة لقلنا إن فلسفة القانون لدى بجارن هي مسار بحث عن العدالة. الفلسفة هي التأكيد على أن ثمة أشياء كثيرة في الحياة تستأهل أن نراها وأن نقولها. هي تتبعنا أينما نذهب سواء أدركنا ذلك أم لا. يعرض بجارن لهذا التمايز منذ البداية. يستخدم فلسفة القانون من أجل إيجاد حل لمشكلة الفساد في العدالة ومشكلة إفساد العدالة، وتشويه المحاكمات، لاستخدامها لأهداف أيديولوجية خاصة على يد أوليغارشيا اليسار أو اليمين. لم يعد يؤمن بجارن باليمين واليسار. سهام نقده تطال الإثنين. لا يترك بجارن مفهومة concept إلا ويعرض لها شرط أن تضيء مسألة العدالة: حتى الجثة والقبر كما سنرى لاحقا.

أتوقف عند بعض النقاط :

1- عصر العلموية le scientisme جعل بنظر بجارن من الفلسفة مادة للدراسة كباقي المواد، بل تمَّ تبخيسها بفعل الاستقلالية التي تحققت لاختصاصات عديدة كانت ملازمة للفلسفة، مثل علم النفس والأخلاق والمنطق والسياسة والقانون. كل هذا تسبَّب بتراجع الفلسفة لتغدو، بنظر البعض، أقرب الى الأفكار الحالمة منه إلى علم أساسي حقيقي ومفيد.

فلسفة القانون تسمح للفقيه بالتفكير في المعايير والقيم، وتؤثر على التجديد في الاجتهاد وفي تغيير الاتجاه الفقهي؛ لفلسفة القانون تأثير كبير على إصدار قوانين جديدة. الهدف من كل هذا هو تحقيق فهم أعمق لطبيعة القانون من خلال دراسة المنطق القانوني وكذلك عمل المؤسسات القانونية. في فرنسا، يمكن إدراج مونتسكيو ضمن هذا التوجه وفي عالمنا العربي يمكن التأكيد أن المعتزلة ليست بعيدة هذا التوجه.

2- مفهومة أخرى يعرض لها بجارن في بحث آخر. سرعة العطب: يعرض بجارن لمفهوم سرعة العطبla vulnérabilité التي تشغل باله، الإنسان يعرف دوماً أنه سريع العطب ليس وحسب من حيث طبيعته، ولكن ايضاً من حيث هو مواطن؟

يهدف بجارن الى إبراز سرعة العطب (أو إذا شئتم ضعف الإنسان) إزاء المشروع القانوني المعاصر مع ربط هذا الأمر بفلسفة القانون. هدفه هو التحكم بصورة أفضل بالاستقلالية الممنوحة للذوات القانونية sujets juridiques والإشارة الى كيفية انعكاس هذه الاستقلالية في فهمنا كما في التزامنا بالمشروع القانوني الحديث.

3- نعرض لموقف بجارن من العدالة والمساواة عبر أبحاث خارجة عن المألوف كبحثه عن مسألة الجثة او البقايا: صمت البقايا: الجثة، القبر وفلسفة القانون

Le silence des lambeaux : le cadavre, le sépulcre et la philosophie du droit

عنوان هذا البحث مذهل. عادات الدفن، الموت والموتى، القبور، الجثث، بجارن لا يعرض لكل هذا كي يثير اشمئزازنا بل كي يعي الإنسان حقيقته الدينية والفلسفية والمستقبلية. في نهاية الأمر أوليست الثقافة والحضارة تنعكسان بشكل أفضل، وبعد التفكير بصدق، في الاحترام الذي يكنه الأحياء للموتى، لجسدهم، لجثثهم؟ دائما بجارن تخونه كلماته لأنها تكشف عن عمقه الديني. هو علماني لكن بعمق مسيحي. وهذا واضح تماماً في مواقفه من العدل، والأطيقا والعدالة البشرية.

4- يعرض بجارن في بحث آخر لمعاناة الفيلسوف السياسي بازوكانيس ومدى الظلم الذي عاني منه على يد رفاقه وفي معقل داره. يعرض لتحفة الفلسفة القانونية التي خطها بازوكانيس ونعني كتابه “النظرية العامة للقانون والماركسية”، الصادر عام 1924. يرى بازوكانيس أن الاقتصاد السياسي يولِّد “السلعة”، والنظرية القانونية تولد “القانون”. هذا ما يسترعي اهتمام بجارن في هذا التحول في نظرية بازوكانيس.

أعدم بازوكانيس الستاليني على يد رفاقه الستالينيين بسبب زلة لسان لا بسبب معارضة إيديولوجية، وهذا تصرف داعشي بامتياز.. ويعتقد بجارن ان لفلسفة القانون دوراً في إعدامه.

5- في بحث آخر من “حق الإنسان الى الإنسان” يتوقف بجارن أمام عبارتين: “حقوق الإنسان” و”الأمن القومي” ويحاول فهمهما في ضوء “الامتياز لصالح الفرد” و”حماية الفرد”.

إذا أردنا ايجاز موقف فيلسوفنا بجارن في هذا الموضوع نقول إن موقفه إنساني بامتياز. لا حقوق انسان ولا عدالة ولا مساواة دون إنسان، أي دون إنسان واع وحضاري. وهو يلمح الى أن العصور الوسطى كانت فيها حقوق الإنسان أكثر صلابة من الآن. التطور العلمي والتكنولوجيا لم يقوِّما الأمور لأن الإنسان فقد المثالية والأطيقا..

في الخاتمة بنظر بجارن هذه الحياة في نهايتها قبر مظلم فلم لا نفتح الأبواب للعدالة والمساواة في إطار حرية متكاملة. يصر أخيراً على أن فلسفة القانون تكون إنسانية أو لا تكون، أي أن عملها هو أنسنة القانون وجعله وسيلة للتعايش والتضامن بين البشر.

شكراً


أترك تعليق